الجريمة الدانماركية
في 30 سبتمبر 2005 نشرت صحيفة "يولاندس بوستن" الدانماركية 12 رسمًا كاريكاتيريًا سخرت فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ساعتها لم تتنبه الشعوب العربية والمسلمة لهذه الجريمة، غير أنه بعد هذه الفعلة بأشهر قليلة، اشتعل العالم كله غضبًا من هذه الجريمة النكراء، كيف بدأت هذه الجريمة؟، وإلى أين وصلت؟، هذا ما سنعرضه في الصفحات القادمة.
بداية الجريمة:
أما بداية تلك الجريمة، فيكشفها داعية مسلم بالدانمارك، حيث يذكر الشيخ "رائد حليحل" رئيس "الرابطة الأوروبية لنصرة خير البرية" أن كتابا متداولا بين الدانماركيين يسيء للإسلام من خلال الافتراء على نبيه الكريم كان هو السبب الرئيس وراء نشر صحيفة "يولاندز بوستن" الصور المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وقال رائد حليحل: إن "ثمة كتابا ينتشر في الأسواق الدانماركية حاليا للمؤلف كوري بلوتيكن بعنوان (القرآن وحياة محمد) يحمل بين صفحاته إساءة للإسلام".
وروى القصة التي أدت بالكتاب لأن يصبح السبب الرئيسي في نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة قائلا: "طلب مؤلف الكتاب من رسامين رسم صور مسيئة للرسول، بيد أن الرسامين رفضوا خوفا من رد فعل المسلمين".
وأردف: "بعد ذلك توجه المؤلف إلى الصحيفة وعرض الموضوع على رئيس تحريرها الذي تبنى القضية في إطار ما يعتقد أنه حرية الرأي والتعبير".
وأضاف: "بعدها دعا رئيس التحرير نحو 40 رساما إلى رسم هذه الرسوم الكاريكاتيرية؛ لكن لم يستجب لهذه الدعوى سوى 12 رساما وضع كل منهم تصوره قبل أن يستعين المؤلف بالرسوم في كتابه، ويقوم بطباعته ونشره في 24-1-2006".
وقال رئيس "الرابطة الأوربية لنصرة خير البرية": إن "المؤلف انتقى مواقف من سيرة الرسول، ووظفها بطريقة تخدم غايته الذميمة في الطعن في الرسول، وبالتالي الطعن في الإسلام".
وأضاف: "المؤلف تناول قضايا خطيرة ذات مغزى"، وأوضح أن "الكتاب يقول إن الرسول قتل اليهود؛ حيث اعتبر المؤلف أن الحقبة الزمنية التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم شهدت محارق لليهود تفوق محارق النازي ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية (الهولوكوست)".
بعد قيام الصحيفة الدانماركية بنشر الصور المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في 30 سبتمبر 2005، بدأت الجالية المسلمة في الدانمارك بالتحرك عبر الوسائل المشروعة، حيث سعوا إلى مقابلة رئيس تحرير الصحيفة ورئيس الوزراء الدانماركي، كما سعوا إلى مقاضاة الصحيفة ولكن ذلك كان دون جدوى، حيث كان الرد الدائم هو التذرع بحرية التعبير وحرية الصحافة.
بعد ذلك قام وفد من مسلمي الدانمارك يحمل ملف هذه القضية بزيارة الدول المسلمة وتركزت جولته في مصر والسعودية التي قام أئمتها وشيوخها بتفعيل القضية في خطبهم، وانتقلت القضية إلى شبكة الإنترنت وإلى الفضائيات، وتعالت الدعوات إلى مقاطعة الدانمارك اقتصاديًا، خاصة وأن دول الخليج من أكبر مستوردي المواد الغذائية الدانماركية، واشتعلت أنحاء الأرض بالغضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مطالبين باعتذار صريح وواضح من الحكومة الدانماركية ومعاقبة المسئولين عن تلك الفعل، غير أن الحكومة الدانماركية ركبت رأسها ورفضت تقديم هذا الاعتذار، وقام الاتحاد الأوروبي بمساندة الدانمارك في هذه القضية، وأعلن رفضه للمقاطعة الاقتصادية، وبدأت العديد من الصحف الأوروبية تعيد نشر الصور المجرمة في محاولة لتخفيف الضغوط عن الدانمارك.
ويشير الشيخ "رائد حليحل" إلى أن الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الدانمارك بدأت بطريقة اعتباطية، لكنها الآن تسير بشكل ممنهج ومخطط له جيدا، حتى إنها بدأت تجد صدى في الأوساط الغربية الخارجية، وبرهن على التجاوب الغربي مع موقف الدانمارك بتأكيده أن ثمة شركة ألمانية للملابس القطنية طبعت أحد الرسوم المسيئة على بعض منتجاتها، وأوضح أن هذا الرسم يصور رجلا يرتدي عمامة بها قنبلة بفتيل مشتعل ومكتوب عليها "لا إله إلا الله".
وأكد أن الشركة عرضت منتجاتها بموقعها الإلكتروني، وأنها أفصحت عن نيتها تخصيص أرباح مبيعات تلك المنتجات لما أسمته "نصرة حرية الرأي بالدانمارك".
وأشار رئيس الرابطة الأوربية لنصرة خير البرية إلى شركة أمريكية أخرى لم يذكر اسمها أعلنت استعدادها شراء المنتجات الدانماركية التي يقاطعها العرب والمسلمون؛ لتعويض الدانماركيين عن خسارتهم بسبب المقاطعة.
وقد كشف تحقيق صحفي نُشر يوم الأربعاء 1/3/2006 أن الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم نشرت في 143 صحيفة من 56 بلدًا، وقد أعادت هذه الصحف نشر رسم واحد أو أكثر من الرسوم الـ 12 المثيرة للجدل في نشراتها المطبوعة وخصوصًا على شبكة الإنترنت.
وأشار التحقيق إلى أن أكبر عدد من إعادة نشر الرسوم كان في الدول الغربية مثل أوروبا [70] والولايات المتحدة [14] وكندا [3] وأستراليا [2] ونيوزلندا [3] واليابان [1].
كذلك نشرت الرسوم في ثماني دول إسلامية[1] هي الجزائر ومصر والأردن والسعودية والمغرب وماليزيا وإندونيسيا والبوسنة والهرسك.
وأفادت هذه الدراسة التي أجريت خلال فبراير أنه في الولايات المتحدة ورغم أن أيًا من الصحف الوطنية لم تنشر الرسوم الكاريكاتورية، نشرتها 14 صحيفة إقليمية أو محلية.
--------------------------------------------------------------------------------
1- بعض هذه الصحف العربية والإسلامية التي نشرت تلك الصور المسيئة لم تنشرها من باب التنقص لرسول الله ÷ ولكن نشرتها من باب التغطية الإخبارية للحادثة، غير أن ذلك لا يعفيها من الإثم الذي وقعت فيه، فإن نشر هذه الصور من شأنه أن يحقق الهدف الذي تسعى إليه الدول الغربية وهو تدمير هيبة وعظمة رسول الله ÷ في قلوب المسلمين، وجعل حياته ÷ مادة للمناقشة والتندر، لهذا فإن نشر هذه الصور لا يجوز حتى وإن كان من باب نقل الخبر، خاصة وأن نشر هذه الصور من الأمور التي تسبب الإيذاء والألم للمسلمين.