ابن عبد البر ( 368 هـ - 463 هـ )
اسمه: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الحافظ شيخ علماء الأندلس وكبير محدّثيها في وقته، وأحفظ من كان بها لسنة مأثورة، قد تقدم ذكر أبيه، رحل عن وطنه قرطبة في الفتنة فكان بغرب الأندلس، ثم تحول منها الى شرق الأندلس فتردد فيه ما بين دانية وبلنسية وشاطبة، قال شيخنا أبو علي الغساني، رحمه الله: أبو عمر رحمه الله من النمر بن قاسط في ربيعة. من أهل قرطبة طلب بها وتفقه عند أبي عمر بن المكوى وكتب بين يديه ولزم أبا الوليد ابن الفرضي الحافظ وعنه أخذ كثيراً من علم الرجال والحديث وهذا الفن كان الغالب عليه، وكان قائماً بعلم القرآن، وسمع من سعيد بن نصر، وعبد الوارث بن سفيان، وأحمد بن قاسم البزاز، وأبي محمد بن أسد وخلف بن سهل، وابن عبد المؤمن، وأبي زيد عبد الرحمن بن يحيى وسعيد بن القزاز، وأبي زكريا الأشعري، وأبي عمر الباجي، وأبي القاسم ابن أبي جعفر، وابن الجسور. وأجازه أبو الفتح بن سَيبُخت، وعبد الحميد بن سعيد الحافظ، ولم تكن له رحلة. سمع منه عالم عظيم فيهم من جلة أهل العلم المشاهير أبو العباس الدلائي، وأبو محمد بن أبي قحافة وسمع منه أبو محمد ابن حزم، وأبو عبد الله الحميدي، وطاهر ابن مفوز. ومن شيوخنا أبو علي الغساني، وأبو بحر سفيان ابن العاصي، وهو آخر من حدث عنه من الجلة، وكان سنده مما يتنافس فيه.
ذكر الثناء عليه رحمه الله
قال أبو علي الجياني: وصبر أبو عمر على الطلب ودأب فيه ودرس وبرع براعة فاق فيها من تقدمه من رجال الأندلس، وعظم شأن أبي عمر بالأندلس وعلا ذكره في الأقطار، ورحل إليه الناس وسمعوا منه، وألف تواليف مفيدة طارت في الآفاق. قال أبو علي: سمعت أبا عمر يقول: لم يكن ببلدنا أفقه من قاسم بن محمد بن قاسم، وأحمد بن خالد. قال أبو علي وأنا أقول إن أبا عمر لم يكن دونهما ولا متخلفاً عنهما. وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه ومعاني الحديث، له بسطة كثيرة من علم النسب والخبر. وذكره القاضي أبو الوليد الباجي في كتاب الفرق ولم يكن الذي بينهما بالحسن لتجاذبهما سؤدد العلم في وقتهما.
ذكر تصانيفه رضي الله عنه
ألّف أبو عمر رضي الله عنه على الموطأ، كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد وهو عشرون مجلداً، وهو كتاب لم يضع أحد مثله في طريقه، وكتاب الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار، وكتاب التقصي لحديث الموطأ، وكتاب الاستيعاب لأسماء الصحابة، وكتاب جامع بيان العلم، وكتاب الإنباه على قبائل الرواه، وكتاب الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء مالك والشافعي، وأبي حنيفة رضي الله عنهم، وكتاب البيان عن تلاوة القرآن، وكتاب بهجة المجالس وأنس المجالس، وكتاب أسماء المعروفين بالكنى سبعة أجزاء، والكتاب الكافي في الفقه في الاختلاف وأقوال مالك وأصاحبه رحمهم الله عشرون كتاباً والدرر في اختصار المغازي والسير، وكتاب القصد والأمم في التعريف بأنساب العرب والعجم وأول من تكلم بالعربية من الأمم. والشواهد في إثبات خبر الواحد. والبستان في الإخوان. والأجوبة الموعبة في الأسئلة المستغربة، وكتاب الاكتفاء في القراءة، وكتاب التجويد واختصار التمييز لمسلم، وكتاب الإنصاف فيما في بسم الله من الخلاف، واختصار تاريخ أحمد بن سعيد. والإشراف في الفرائض، وغير هذا من كتبه الصغار ولأبي عمر في وصف كتاب التمهيد:
سهير فؤادي من ثلاثين حجة ... وصاقل ذهني والمفرج عن همي
بسطت لكم فيه كلام نبيكم ... لما في معانيه من الفقه والعلم
وفيه من الآداب ما يهتدى به ... الى البرّ والتقوى وينهى عن الظلم
مات بشاطبة ليلة الجمعة، سلخ ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وأربعمائة عن خمس وتسعين سنة وخمسة أيام، رحمه الله.
________
نقلا عن كتاب : " ترتيب المدارك وتقريب المسالك " للقاضي عياض رحمه الله
بتصرف