فوائد وقواعد ومسائل من كتب شيخ الإسلام
" حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم "
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
إن من سب النَّبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر فانه يجب قتله.
هذا مذهب عامة أهل العلم. قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن حدَّ مَن سب النَّبي صلى الله عليه وسلم القتل وممن قاله مالك والليث واحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي قال :وحكي عن النعمان لا يقتل -يعني الذمي- ما هم عليه من الشرك أعظم.
وقد حكى أبو بكر الفارسي من أصحاب الشافعي إجماع المسلمين على أن حدَّ من يسب النَّبي صلى الله عليه وسلم القتل كما أنَّ حدَّ مَن سب غيره الجلد. وهذا الإجماع الذي حكاه محمول على إجماع الصدر الأول من الصحابة والتابعين، أو انه أراد به إجماعهم على أن ساب النَّبي صلى الله عليه وسلم يجب قتله إذا كان مسلما ،وكذلك قيده القاضي عياض فقال: أجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه. وكذلك حكي عن غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره. وقال الإمام إسحاق بن راهويه -أحد الأئمة الأعلام-: أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبيا من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك وإن كان مقرّاً بكل ما أنزل الله.
وقال الخطابي: لا اعلم أحداً من المسلمين اختلف في وجوب قتله. وقال محمد بن سحنون :أجمع العلماء على أن شاتم النَّبي صلى الله عليه وسلم المتنقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله له وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر.
وتحرير القول فيها أن السابَّ إن كان مسلما فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف،وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم وقد تقدم ممن حكى الإجماع على ذلك من الأئمة مثل إسحاق بن راهويه وغيره. وإن كان ذميّاً فإنه يقتل أيضا في مذهب مالك وأهل المدينة وسيأتي حكاية ألفاظهم وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث وقد نص أحمد على ذلك في مواضع متعددة. قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول :كل من شتم النَّبي صلى الله عليه وسلم أو تنقصه مسلما كان أو كافرا فعليه القتل وأرى أن يقتل ولا يستتاب. قال :وسمعت أبا عبد الله يقول: كل من نقض العهد وأحدث في الإسلام حدثا مثل هذا رأيتُ عليه القتل ليس على هذا أعطوه العهد والذمة . وكذلك قال أبو الصقر: سألت أبا عبد الله عن رجل من أهل الذمة شتم النَّبي صلى الله عليه وسلم ماذا عليه؟ قال: إذا قامت عليه البينة يُقتل من شتم النَّبي صلى الله عليه وسلم مسلماً كان أو كافراً. رواهما الخلال.
وقال في رواية عبد الله وأبى طالب وقد سئل عمن شتم النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: يقتل قيل له: فيه أحاديث؟ قال: نعم أحاديث، منها: حديث الأعمى الذي قتل المرأة قال: سمعتها تشتم النَّبي صلى الله عليه وسلم . وحديث حصين أن ابن عمر قال: من شتم النَّبي صلى الله عليه وسلم قُتل. وعمر بن عبد العزيز يقول: يُقتل وذلك أنه من شتم النَّبي صلى الله عليه وسلم فهو مرتد عن الإسلام ولا يَشتم مسلمٌ النَّبي صلى الله عليه وسلم.
زاد عبد الله سألت أبي عمن شتم النَّبي صلى الله عليه وسلم يستتاب؟ قال: قد وجب عليه القتل ولا يستتاب!! خالد بن الوليد قتل رجلا شتم النَّبي صلى الله عليه وسلم ولم يستتبه. رواهما أبو بكر في الشافي. وفي رواية أبي طالب سئل أحمد عمن شتم النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: يقتل قد نقض العهد. وقال حرب: سألت أحمد عن رجل من أهل الذمة شتم النَّبي صلى الله عليه وسلم قال :يقتل إذا شتم النَّبي صلى الله عليه وسلم . رواهما الخلال. وقد نص على هذا في غير هذه الجوابات .
فأقواله كلها نصٌّ في وجوب قتله وفي أنه قد نقض العهد وليس عنه في هذا اختلاف.
وكذلك ذكر عامة أصحابه متقدمهم ومتأخرهم لم يختلفوا في ذلك ……. والذي عليه عامة المتقدمين من أصحابنا ومن تبعهم من المتأخرين إقرار نصوص أحمد على حالها وهو قد نصَّ في مسائل سبِّ الله ورسوله على انتقاض العهد في غير موضع وعلى أنه يقتل وكذلك فيمن تجسس على المسلمين أو زنى بمسلمة على انتقاض عهده وقتله في غير موضع وكذلك نقله الخرقي فيمن قتل مسلما وقطع الطريق أولى …….
وأما الشافعي فالمنصوص عنه نفسه أن عهده ينتقض بسبِّ النَّبي صلى الله عليه وسلم وأنه يقتل هكذا حكاه ابن المنذر والخطابي وغيرهما …….
وأما الآيات الدالة على كفر الشاتم وقتله أو على أحدهما إذا لم يكن معاهدا وإن كان مظهرا للإسلام فكثيرة مع أن هذا مجمعٌ عليه كما تقدم حكاية الإجماع عن غير واحد
منها: قوله تعالى { ومنهم الذين يؤذون النَّبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم - إلى قوله - والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب اليم - إلى قوله - ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله} . فعلم أن إيذاء رسول الله محادة لله ولرسوله لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة فيجب أن يكون داخلا فيه ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفاً إذا أمكن أن يقال إنه ليس بمحادٍّ، ودل ذلك على أن الإيذاء والمحادة كفر لأنه أخبر أن له نار جهنم خالداً فيها ولم يقل هي جزاؤه وبين الكلامَيْن فرقٌ ، بل المحادة هي المعاداة والمشاقة وذلك كفر ومحاربة فهو أغلظ من مجرد الكفر فيكون المؤذي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كافراً عدوا لله ورسوله محارباً لله ورسوله لأن المحادة اشتقاقها من المباينة بأن يصير كلُّ واحدٍ منهما في حدٍّ كما قيل المشاقة أن يصير كلُّ منهما في شقٍّ والمعاداة أن يصير كل منهما في عدوة …….
الدليل الثاني على ذلك: قوله سبحانه {يحذر المنافقون أن تنـزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين} . وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر فالسبُّ المقصود بطريق الأولى وقد دلت هذه الآية على أنَّ كلَّ مَن تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم جاداً أو هازلاً فقد كفر..أ.هـ
"الصارم المسلول" (2/13-70) ط ابن حزم