وعلى ذلك دلائل من القرآن والسنة وأقوال السلف :
فمن القرآن:
قال الله العزيز : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
قال ابن كثير ـ رحمه ـ ( هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال [ من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ] ولهذا قال : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم وهو أعظم من الأول كما قال بعض العلماء الحكماء : ليس الشأن أن تحِب إنما الشأن أن تحَب).
وقال الله أيضا : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً )
قال الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ : (ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعانده فيما جاء به { من بعد ما تبين له الهدى } بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية { ويتبع غير سبيل المؤمنين } وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم { نوله ما تولى } أي: نتركه وما اختاره لنفسه، ونخذله فلا نوفقه للخير، لكونه رأى الحق وعلمه وتركه، فجزاؤه من الله عدلا أن يبقيه في ضلاله حائرا ويزداد ضلالا إلى ضلاله).
وقال سبحانه أيضاً: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ (أي عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله فما وافق ذلك قبل وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنا من كان كما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال [من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ] أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنا وظاهرا { أن تصيبهم فتنة } أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة { أو يصيبهم عذاب أليم } أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك).
وقال جل جلاله أيضا : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعوا إِلَى اللَّهِ وَرَسولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ همُ الْمُفْلِحونَ).
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ (ثم أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله الذين لا يبغون دينا سوى كتاب الله وسنة رسوله فقال { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا } أي سمعا وطاعة ولهذا وصفهم تعالى بالفلاح وهو نيل المطلوب والسلامة من المرهوب فقال تعالى : { وأولئك هم المفلحون})
وقال تعالى (وَإِن تُطِيعوهُ تَهْتَدُوا)
وقال تعالى (مَّنْ يُطِعِ الرَّسولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)
والآيات في معناها كثيرة
ومن السنة:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبىٰ ) قالوا يا رسول الله ومن يأبىٰ ؟ قال ( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى).
وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر فقال إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا أفترى أن نكتب بعضها ؟ فقال ( أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى ؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي).
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال ( إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه).
وعن أبي أيوب الأنصاري قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مرعوب فقال ( أطيعوني ما كنت بين أظهركم وعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ).
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
وعن العرباض رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ فقال ( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
وغيرها من الأحاديث كثير.
وأما أقوال السلف في متابعة السنة كثيرة لا يحصيها كتاب وأجتزئ منها ما يلي :
قال ذو النون المصري : من علامة حب الله متابعة حبيب الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وأفعاله وأمره وسنته.
وقال أبو علي الحسن بن علي الجوزجاني : من علامات السعادة على العبد تيسير الطاعة عليه وموافقة السنة في أفعاله وصحبته لأهل الصلاح وحسن أخلاقه مع الإخوان وبذل معروفه للخلق واهتمامه للمسلمين ومراعاته لأوقاته.
وقال أبو الحسن الوراق : لا يصل العبد إلى الله إلا بالله وبموافقة حبيبه صلى الله عليه وسلم في شرائعه ومن جعل الطريق إلى الوصول في غير الاقتداء يضل من حيث أنه مهتد. وقال : الصدق استقامة الطريق في الدين واتباع السنة في الشرع.
وقال أبو محمد بن عبد الوهاب الثقفي : لا يقبل الله من الأعمال إلا ما كان صوابا ومن صوابها إلا ما كان خالصا ومن خالصها إلا ما وافق السنة.
وقال أبو سليمان الداراني : ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين ـ الكتاب والسنة ـ.
وقال أبو عثمان الجبري : من أمّر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمّر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة قال الله تعالى : { وإن تطيعوه تهتدوا}.
وغيرها كثير لمن رامها.
أسأل الله التوفيق والسداد ، وأن يرزقنا الإخلاص والمتابعة لسيد العباد ، ويحسن خاتمتنا ويثبتنا على شرعه حتى نلقاه .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه
يوسف بن أحمد آل علاوي
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولإخوانه ولعامة المسلمين .