شعاع الإيمان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شعاع الإيمان

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) فصلت
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 حكم الذمي أو المعاهد إذا تطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ABOUHAYDER

ABOUHAYDER


ذكر عدد الرسائل : 430
الموقع : مكان ما
تاريخ التسجيل : 20/03/2008

حكم الذمي أو المعاهد إذا تطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: حكم الذمي أو المعاهد إذا تطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم   حكم الذمي أو المعاهد إذا تطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم Icon_minitimeالخميس 27 مارس - 0:00

حكم الذمي أو المعاهد إذا تطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم

ناقشنا حكم المسلم المتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينا أن تطاوله هذا دليل على كفره، وحده في الإسلام هو القتل، ونناقش الآن حكم الذمي أو المعاهد إذا تطاول على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

وقبل أن نناقش حكم هذا المتطاول الآثم لابد أن نسبق ذلك بتعريف الذمي والمعاهد والمستأمن ومعرفة صفاتهم[1].

الذمي أو أهل الذمة: هم الكفّار الّذين أقرّوا في دار الإسلام على كفرهم بالتزام الجزية ونفوذ أحكام الإسلام فيهم.

أما أهل العهد : فهم الّذين صالحهم إمام المسلمين على إنهاء الحرب مدّةً معلومةً لمصلحةٍ يراها، والمعاهد : من العهد : وهو الصّلح المؤقّت، ويسمّى الهدنة والمهادنة والمعاهدة والمسالمة والموادعة.

والمستأمن في الأصل : الطّالب للأمان، وهو الكافر الذي يدخل دار الإسلام بأمانٍ ، أو المسلم إذا دخل دار الكفّار بأمانٍ، والمقصود به في البحث الكافر الذي يدخل دار الإسلام بأمان.

هذا هو الذمي والمعاهد والمستأمن في الشرع الإسلامي، وقد صح لدى العلماء أن من كانت تلك صفته فتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن عهده ينتقض ويقتل، قال إسحاق بن رَاهُوْيَه: إن أظهروا سَبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسُمِعَ منهم ذلك أو تُحُقِّق عليهم قُتِلوا، وأخطأ هؤلاء الذين قالوا: "ما هم فيه من الشرك أعظم من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم".

ونورد هنا الأدلة من الكتاب والسنة على ما ذهب إليه العلماء من قتل الذمي المتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الأدلة على انتقاض عهد الذمي بالسب أو الطعن في الدين:

قولُه تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29].

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ".. فأمَرَنا بقتالهم إلا أن يُعْطُوا الجزيةَ وهم صاغرون، فلا يجوزُ الإمساكُ عن قتالهم إلا إذا كانوا صاغرين حالَ إعطائهم الجزيَةَ، ومعلومٌ أن إعطاء الجزيةِ من حين بَذْلها والتزامها إلى حين تسليمها وإقباضها، فإنهم إذا بذلوا الجزيةَ شَرَعُوا في الإعطاء، ووجب الكفُّ عنهم إلى أن يُقْبِضُونَاهَا فيتم الإعطاءُ؛ فمتى لم يلتزموها أو التزموها أولاً وامتنعوا من تسليمها ثانياً لم يكونوا معطيْنَ للجزية؛ لأن حقيقة الإعطاءِ لم توجد، وإذا كان الصَّغَارُ حالاًّ لهم في جميع المُدَّة فمن المعلوم أن من أظهَرَ سَبَّ نبينا في وجوهنا وشَتَمَ ربَّنَا على رؤوسِ المَلأ منَّا وطَعَنَ في ديننا في مجامِعنا فليس بصاغرٍ؛ لأنَّ الصَّاغِرَ الذليلُ الحقيرُ، وهذا فعلُ متعزِّزٍ مُرَاغِم، بل هذا غايةُ ما يكونُ من الإذلالِ له والإهانةِ"[2].

قوله تعالى: (وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا في دِيْنِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ) [التوبة:12].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ".. إذا كان الطعنُ يغلِّظُ قتالَ من ليس بيننا وبينه عهدٌ ويُوجبه فأن يوجبَ قتالَ من بيننا وبينه ذمةٌ وهو ملتزم للصَّغار أوْلى".

ويشير شيخ الإسلام إلى الفارق بين المعاهد والذمي مؤكدًا أن هذا الفرق بينهما لا يعنى السماح للمعاهد بالطعن في الدين أو التطاول على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، يقول ابن تيمية: "على أن المعاهَدَ له أن يُظْهر في داره ما شاء من أمر دينه الذي لا يؤذينا، والذميّ ليس له أن يظهر في دار الإسلام شيئاً من دينه الباطل وإن لم يُؤْذِنا، فحالُه أشدُّ، وأهل مكة الذين نزلت فيهم هذه الآية كانوا معاهَدِينَ لا أهْلَ ذمة، فلو فرض أن مجرد طعنهم ليس نَقْضاً للعهد لم يكن الذميّ كذلك".

ثم قال شيخ الإسلام: ".. أن الذّميَّ إذا سبَّ الرسول أو سب الله أو عاب الإسلام علانيةً فقد نكَث يمينه وطعن في ديننا؛ لأنه لا خلاف بين المسلمين أنه يُعاقب على ذلك ويُؤَدَّبُ عليه، فعلم أنه لم يُعاهد عليه؛ لأنا لو عاهدناه عليه ثم فَعَلَه لم تجز عقوبته عليه، وإذا كنا قد عاهدناه على أن لا يطعن في ديننا ثم طعن في ديننا فقد نكث في يمينهمن بعد عهده وطعن في دينِنا، فيجب قتله بنص الآية..".

ثم أشار شيخ الإسلام إلى أن الطاعن في الدين يندرج تحت زمرة "أئمة الكفر" الذين أمرنا الله بقتالهم وقتلهم، يقول شيخ الإسلام: ".. أنه سَمَّاهم أئمة الكفر لطعنهم في الدين ... وإمامُ الكفر هو الداعي إليه المُتَّبَعُ فيه، وإنما صار إماماً في الكفرِ لأجلِ الطعن، فإنَّ مجرَّد النكث لا يوجب ذلك، وهو مناسب؛ لأن الطاعن في الدين يعيبه ويذمه ويدعو إلى خلافه، وهذا شأن الإمام، فثبت أنَّ كلَّ طاعنٍ في الدين فهو إمامٌ في الكفر، فإذا طعن الذميٌّ في الدين فهو إمامٌ في الكفر، فيجب قتالُه لقوله تعالى: (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ) ولا يمين له؛ لأنه عاهَدَنَا على أن لا يظهر عَيْبَ الدين هنا وخَالَفَ .. فثبت أنَّ كلَّ مَن طعن في ديننا بعد أن عاهَدْناه عهداً يقتضي أنْ لا يفعل ذلك فهو إمامٌ في الكفر لا يَمِينَ له، فيجب قتله بنصِّ الآيةِ، وبهذا يظهر الفرقُ بينه وبين الناكِثِ الذي ليس بإمامٍ، وهو مَن خالف بفعل شيءٍ مما صولحوا عليه من غير الطعن في الدِّينِ"[3].

قوله تعالى: (ألاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُم وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءوكُمْ أَوَّلَ مَرّةٍ) [التوبة:13].

يقول شيخ الإسلام: "فجعل هَمّهم بإخراجِ الرسولِ من المحضِّضَات على قتالهم، وما ذاك إلا لما فيه من الأذَى، وسَبُّه أغلظ من الهم بإخراجه، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم عَفَا عَامَ الفَتْحِ عن الذين هَمُّوا بإخْرَاجِهِ، ولم يَعْفُ عمن سَبَّه؛ فالذمِّي إذا أظهر سَبَّه فقد نَكَث عهده، وفَعَل ما هو أعظم من الهمِّ بإخراج الرسولِ، وبَدَأ بالأذى؛ فيجبُ قتالُه"[4].

أما من السنة فقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الشأن تدل على انتقاض عهد الذمي والمعاهد بالطعن في الدين والتطاول على الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم:

1- ما روى أن يهودية كانت تشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إليها رجل أعمى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلها، روى أبو داود والنسائي في سننهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعْمَى كانت له أمُّ ولدٍ تَشْتُمُ النبي صلى الله عليه وسلم وتَقَعُ فيه؛ فَيَنْهَاها فلا تَنْتَهِي، و يزجرها فلا تنزجر فلما كان ذات ليلة جَعَلَت تقعُ في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه؛ فأخَذَ المِغْول فوضَعَه في بطنها واتَّكَأَ عليها فقتلها، فلما أصْبَحَ ذُكِرَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فجمع الناسَ فقال: "أنْشدُ الله رَجُلاً فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌ إِلاَّ قَامَ"، فقام الأعْمَى يتخطَّى الناسَ وهو يتدلدل، حتى قَعَدَ بين يَدَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أنا صَاحِبُهَا، كانت تشتمك و تَقَعُ فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجُرُها فلا تَنزَجر، ولي منها ابْنَانِ مِثْلُ اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقعُ فيك، فأخذت المِغْول[5] فوضعته في بطنها واتَّكَأْتُ عليه حتى قتلتُهَا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا اشْهَدُوا أنَّ دَمَهَا هَدَرٌ"[6].

يقول الخطابي: " فيه بيان أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم مهدر الدم، وذلك أن السب منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم إرتداد عن الدين، ولا أعلم أحداً من المسلمين اختلف في وجوب قتله"[7].

وقال صاحب عون المعبود: " .. وفيه دليل على أن الذمي إذا لم يكف لسانه عن الله ورسوله فلا ذمة له فيحل قتله ، قاله السندي .

قال المنذري : وأخرجه النسائي فيه أن ساب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل وقد قيل إنه لا خلاف في أن سابه من المسلمين يجب قتله وإنما الخلاف إذا كان ذميا، فقال الشافعي يقتل وتبرأ منه الذمة، وقال أبو حنيفة لا يقتل ما هم عليه من الشرك أعظم، وقال مالك من شتم النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى قتل إلا أن يُسلم ..". وروى أبو داود بسنده عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا[8].

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" .. هذا الحديث نَصٌّ في جواز قتلها لأجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم، ودليل على قتل الرجل الذمي وقتل المسلم و المسلمة إذا سبَّا بطريق الأَولى؛ لأن هذه المرأة كانت مُوادعة مُهادِنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وَادَعَ جميع اليهود الذين كانوا بها مُوَادَعة مطلقة، ولم يضرب عليهم جِزْيَةً، وهذا مشهور عند أهل العلم بمنزلة المتواتر بينهم"[9].

وقال شيخ الإسلام: " .. إن نشدان النبي صلى الله عليه وسلم الناسَ في أمرها ثم إبطال دَمِهَا دليلٌ على أنها كانت مَعْصُومَة، وأن دَمَهَا كان قد انعقد سببُ ضمانِه، وكان مضموناً لو لم يُبْطِلْه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها لو كانت حَرْبِيِّة لم ينشد الناسَ فيها، ولم يَحْتَج أن يُبْطل دمها و يُهْدِره؛ لأن الإبطال والإهدار لا يكون إلا لدمٍ قد انعقد له سبب الضمان .. والمسلمون يعلمون أن دَمَ الحربيةِ غيرُ مضمونٍ، بل هو هَدْر، لم يكن لإبطاله وإهداره وجه .. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عاهد المعاهدين اليهودَ عهداً بغير ضرب جزية عليهم، ثم إنه أهدر دَمَ يهوديةٍ منهم لأجل سَبِّ النبي صلى الله عليه وسلم فَأَنَّه يُهْدِرَ دَمَ يهودية من اليهود الذين ضُرِبَت عليهمُ الجزيةُ وأُلزموا أحكام الملة لأجل ذلك أَوْلَى وأَحْرَى"[10]، وقال في موضع آخر: ".. فلو لم يكن قَتْلُهَا جائزاً لبيّن النبي صلى الله عليه وسلم له أن قتلها كان محرماً، وأن دمها كان معصوماً، و لأوْجَبَ عليه الكفَّارَةَ بقتل المعصوم والدِّيَةَ إن لم تكن مملوكة له، فلما قال: "اشْهَدُوا أنَّ دَمَهَا هَدَر" عُلم أنه كان مباحاً مع كونها كانت ذمية، فعُلم أن السبَّ أباح دَمَهَا، لا سيما والنبيُّ صلى الله عليه وسلم إنما أهْدَرَ دَمَهَا عقب إخباره بأنها قتلت لأجل السبِّ، فعُلم أنه الموجِبُ لذلك، والقصة ظاهرة الدلالة في ذلك"[11].

الدليل الثاني من أدلة السنة: قصة مقتل "كعب بن الأشرف" اليهودي، وقد أوردنا هذه القصة بتفصيلها في فصل "نصرة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم على يد أتباعه"، وننقل هنا أقوال الأئمة وتعليق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذه القصة لما فيها من فوائد واستدلالات عظيمة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والاستدلالُ بقتل كعب بن الأشرف من وجهين:

أحدهما: أنه كان مُعَاهداً مُهَادناً، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم بالمغازي والسير، وهو عندهم من العلم العام الذي يُستغنى فيه عن نقل الخاصة ... ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم جعله ناقضاً للعهد بهجائه وأذاه بلسانه خاصة، والدليل على أنه إنما نقض العهدَ بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن لِكَعْبِ بِنِ الأشْرِفِ فإنهُ قَدْ آذَى الله ورَسُولَهُ؟"، فعلَّل نَدْبَ الناسِ له بأذاه، والأذى المُطْلَقُ هو باللسان كما قال سبحانه: )و لَتَسْمَعَنَّ مِنَ الّذِينَ أُوْتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا أذىً كثيراً(، وقال: )لَنْ يَضُرُوْكُمْ إلاَّ أذىً(، و قال: )وَمِنْهُمْ الّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أذُنٌ( ..

وأيضاً، فإنه جعل مطلق أذى الله ورسوله مُوجِباً لقتل رجل معاهد، و معلوم أن سَبَّ الله ورسوله أذَى لله ولرسوله، وإذا رُتِّب الوَصْفُ على الحكم بحرف الفاء دل على أن الوصف علة لذلك الحكم، لا سيما إذا كان مُنَاسباً، وذلك يدل على أن أذَى الله ورسوله عِلة لنَدْب المسلمين إلى قتل مَن يفعل ذلك من المعاهَدِين، وهذا دليل ظاهر على انتقاض عهده بأذى الله ورسوله، والسبُّ من أذى الله ورسولهِ باتفاق المسلمين، بل هو أخص أنواع الأذى ...

الوجه الثاني من الاستدلال به: أن النَّفَرَ الخمسة الذين قَتَلوه من المسلمين: محمد بن مَسْلمة، وأبا نائلة، وعباد بن بشر، و الحارث بن أوس، وأبا عبس بن جبر، قد أذِنَ لهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يغتالوه ويخدعوه بكلام يُظْهرُون به أنهم قد آمنوا ووافقوه، ثم يقتلوه، ومن المعلوم أن من أظهر لكافر أماناً لم يجز قتله بعد ذلك لأَجل الكفر، بل لو اعتقد الكافر الحربي أن المسلم آمَنَه وكلمه على ذلك صار مستأمناً، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رَواه عنه عمرو بن الحَمِق: "مَن آمنَ رَجُلاً عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ فَأَنَا مِنْهُ بَرِئ وَإِنَ كَانَ المَقْتُولُ كَافِراً" رواه الإمام أحمد و ابن ماجه .. وهذا الكلام الذي كلموه به صار مستأمناً، وأدنى أحواله أن يكون له شبهة أمان، ومثل ذلك لا يجوز قتله بمجرد الكفر؛ فإن الأمان يعصم دم الحربي ويصير مستأمناً بأقل من هذا كما هو معروف في مواضعه، وإنما قتلوه لأجل هجائه وأذاه للهِ ورسوله، ومن حَلَّ قتله بهذا الوجه لم يعصم دمه بأمانٍ و لا بعهد كما لو آمن المسلم مَن وجب قتله لأجل قطع الطريق و محاربة الله ورسوله والسعي في الأرض بالفساد الموجب للقتل، أو آمن من وجب قتله لأجل زِناه، أو آمن مَن وجب قتله لأجل الردة أو لأجل ترك أركان الإسلام ونحو ذلك، و لا يجوز أن يَعقِدَ له عقد عهد، سواء كان عقد أمان أو عقد هدنة أو عقد ذمة؛ لأن قتله حد من الحدود، وليس قتله لمجرد كونه كافراً حربياً، وأما الإغارة والبيات فليس هناك قول أو فعل صاروا به آمنين، و لا اعتقدوا أنهم قد أومنوا، بخلاف قصة كعب بن الأشرف؛ فثبت أن أذى الله ورسوله بالهجاء ونحوه لا يُحْقنَ معه الدم بالأمان، فَلأَنَ لا يُحْقَنَ معه بالذمة المؤَبَّدة و الهدنة المؤقتة بطريق الأَولى، فإن الأمان يجوز عقده لكل كافر، ويعقده كل مسلم، ولا يشترط على المستأمَن شيء من الشروط، والذمة لا يعقدها إلا الإمام أو نائبه، ولا تعقد إلا بشروط كثيرة تشترط على أهل الذمة: من التزام الصَّغَار ونحوه"[12].

الدليل الثالث من السنة: قصة عمير بن عدي رضى الله عنه في قتل الخطمية التي كانت تهجو النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أوردنا هذه القصة كذلك في باب "نصرة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم على يد أتباعه"، غير أننا ننقل هنا تعليق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذه القصة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وذلك يفيد أن السب موجب للقتل لوجوه:

أحدها: أنه لو لم يكن موجباً للقتل لما جاز قتل المرأة، وإن كانت حربية، لأن الحربية إذا لم تقاتل بيدٍ ولا لسان لم يجز قتلها إلا بجناية موجبة للقتل، وهذا ما أحسب فيه مخالفاً، لا سيما عند من يرى قتالها بمنزلة قتال الصائل.

الثاني: أن هذه السابة كانت من المعاهدين بل ممن هو أحسن حالاً من المعاهدين في ذلك الوقت؛ فلو لم يكن السب موجباً لدمها لما قتلت، أو لما جاز قتلها، ولهذا خاف الذي قتلها أن تتولد فتنة حتى قال النبي e: "لا يَنْتَطِحُ فيها عَنْزَانِ" مع أن انتطاحهما إنما هو كالتشام، فبين e أنه لا يتحرك لذلك قليل من الفتن ولا كثير، رحمة من الله بالمؤمنين، ونصراً لرسوله و دينه، فلو لم يكن هناك ما يحذر معه من قتل هذه لولا الهجاء لما خِيفَ هذا.

الثالث: أن الحديث مصرح بأنها إنما قتلت لأجل ما ذكرته من الهجاء، و أن سائر قومها تُركوا إذ لم يهجوا، أو أنهم لو هجوا لفُعِل بهم كما فعل بها؛ فظهر بذلك أن الهجاء موجب بنفسه للقتل، سواء كان الهاجي حربياً أو مسلماً أو معاهداً، حتى يجوز أن يقتل لأجله مَن لا يقتله بدونه، وإن كان الحربي المقاتل يجوز قتله من وجه آخر، وذلك في المسلم ظاهر، وأما في المعاهد فلأن الهجاء إذا أباح دم المرأة فهو كالقتال أو أسوأ حالاً من القتال"[13].

ونكتفي بهذا القدر من أدلة القرآن والسنة خشية الإطالة، ومن أراد الاستزادة فعليه بالكتاب الماتع "الصارم المسلول على شاتم الرسول" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد حوى من الدرر الكثير.





--------------------------------------------------------------------------------

1- نقلنا هذه التعريفات من الموسوعة الفقهية الكويتية.

2- الصارم المسلو ل 19.

1- الصارم المسلول 21-24 بتصرف.

2- الصارم 25.

1- المغول سيف قصير.

2- رواه أبو داود في السنن كتاب الحدود باب الحكم فيمن سب النبي، والنسائي كتاب تحريم الدم باب الحكم فيمن سب النبي، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود وصحيح النسائي، وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم ..

3- معالم السنن 4/528.

4- أبو داود في سننه كتاب الحدود باب الحكم فيمن سب النبي، وقال الشيخ الألباني في إرواء الغليل في تعليقه على الحديث رقم (1251): إسناده صحيح على شرط الشيخين .

5- الصارم المسلول 61.

6- الصارم السملول 65.

1- الصارم المسلول 68.

1- الصارم المسلول 68-86 بتصرف واختصار.

2- الصارم المسلول 90.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://choaa.mam9.com
 
حكم الذمي أو المعاهد إذا تطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كيف ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
» حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم
» صفة نعلي النبي - صلى الله عليه وسلم - !
» إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ/نصرة الرسول صلى الله عليه وسلمl
» بحث في اسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شعاع الإيمان :: المنتدى الاسلامي :: منتدى السنة النبوية-
انتقل الى: